يعد حق الملكية من أوسع الحقوق العينية وأقواها من حيث السلطات التي يمنحها للمالك، إذ يخول لصاحبه سلطة الحصول على جميع المنافع التي يمكن الحصول عليها من الشيء موضوع الحق ، وتأكيدا على قدسية حق الملكية ومكانته ضمن باقي الحقوق الأخرى نص الفصل 15 من الدستور المغربي على أن "حق الملكية وحرية المبادرة الخاصة مضمونان .
للقانون أن يحد من مداهما وممارستهما إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
ولا يمكن نزع الملكية إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون".
وقد أعاد تكريس نفس المبدأ ظهير 19 رجب 1333هـ (2 يونيو 1915) المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة بمقتضى الفصل 10 منه حيث نص على أنه: "لا يجبر أحد على التخلي عن ملكه إلا لأجل المصلحة العامة ووفق القوانين الجاري بها العمل في مجال نزع الملكية".
فأمام المهام الجسيمة الملقاة على عاتق الإدارة ودورها التدخلي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية تنفيذا لسياسة الدولة لم يجد المشرع بدا من تخويل الإدارة امتياز نزع الملكية على غرار باقي التشريعات المقارنة.
والملاحظ أن المشرع المغربي لم يعرف نزع الملكية، لكنه أبرز في المقابل الملامح الجوهرية لهذه المسطرة من خلال الفصل الأول من القانون 7.81 بقوله: "إن نزع ملكية العقارات كلا أو بعضا أو ملكية الحقوق العينية العقارية لا يجوز الحكم به إلا إذا أعلنت المنفعة العامة، ولا يمكن إجراؤه إلا طبق الكيفيات المقررة في هذا القانون مع مراعاة الاستثناءات المدخلة عليه كلا أو بعضا بموجب تشريعات خاصة".
وقد عرف أحد الفقه نزع الملكية بأنها "عملية يتم بمقتضاها نقل ملكية عقار مملوك لأحد الأفراد إلى شخص عام بقصد المنفعة العامة ونظير تعويض عادل".
ويتميز نظام نزع الملكية عن غيره من الأنظمة القانونية الأخرى من قبيل التأميم والمصادرة والشفعة الضريبية والاحتلال المؤقت
لذلك فعندما لا تتمكن الإدارة من تلبية حاجياتها من الأراضي والعقارات عن طريق الاقتناء فإنها تستعمل امتيازها كسلطة عمومية لنزع الملكية، لكن تحقيق ذلك كله منوط باحترام الإجراءات المسطرية المنصوص عليها في القانون 7.81، التي ترمي في مجملها إلى إيجاد مجموعة من الضمانات القانونية وحماية حقوق الأفراد المعنيين بأمر نزع الملكية.
وعقلنة لإجراءات نزع الملكية أوجد المشرع مسلك المرحلة الإدارية كلبنة ضرورية تستهدف تهييء العقارات المراد نزعها لإعلان المنفعة العامة، وفي هذا ينص الفصل السادس من قانون نزع الملكية على ما يلي: "تعلن المنفعة العامة بقرار إداري يعين المنطقة التي يمكن نزع ملكيتها".
وحسب الفصل 7 من نفس القانون فإن تعيين الأملاك التي يشملها نزع الملكية يقع بموجب مقرر إداري يدعى مقرر التخلي إذا لم يتم تعيينها مباشرة في المقرر المصرح بالمنفعة العامة.
كما أوجب المشرع بمقتضى الفصول 10 و11 و12 من القانون 7.81 إجراء بحث إداري قبل اتخاذ مقرر التخلي، ولهذه الغاية أيضا ينشر مشروع هذا المقرر بقصد إشهاره، كما يتم إيداعه ببعض المصالح الإدارية المتمثلة أساسا في مكتب الجماعة البلدية أو القروية من أجل تمكين المعنيين به من الاطلاع عليه وإبداء ملاحظاتهم، بالإضافة إلى إيداع المشروع المذكور لدى المحافظة العقارية إذا كان العقار المستهدف بنزع الملكية محفظا أو في طور التحفيظ، ولدى كتابة ضبط المحكمة الإدارية في غير هاتين الحالتين.
وإذا كان المشرع قد هدف من خلال إلزام الإدارة باتباع الإجراءات الإدارية توفير بعض الحماية للخواص المنزوعة ملكيتهم وصيانة حقوقهم فإن تحقيق هذا المبتغى لن يكون بالفعالية المطلوبة مادامت الإدارة تستطيع التنصل من المقتضيات القانونية لكونها هي نفسها من يباشر تنفيذ هذه النصوص في مواجهة الأفراد المستهدفين بنزع الملكية.
ولأن منطق الأمور يقتضي الفصل بين السلط بالمفهوم المرن، ونظرا لأن القضاء هو حامي الحقوق والحريات، ولما كان من الوارد أن تشتط الإدارة بسلطتها وهي تباشر مسطرة نزع الملكية، فإن المشرع تحرزا لكل ذلك جعل المرحلة القضائية الضمانة الفعلية التي تمكن من مراقبة الإدارة عند مباشرتها لنزع الملكية، وفي ذلك ينص الفصل الثاني من القانون 7.81 على ما يلي: "يتم نزع الملكية لأجل المنفعة العامة بحكم قضائي".
فالرقابة القضائية للإدارة هي رحلة نحو تأسيس دولة القانون تلتحم أشد ما يكون الالتحام بالإيديولوجيا الليبرالية، ولن نوفي التنديد حقه كلما تعلق الأمر بالتضليلات الرامية لخلق مؤسسات عاجزة عن ضمان حماية الفرد، لأنها تخدم في الواقع إيديولوجيا نقيضة للحريات وللقانون .