أولا: القانون ضرورة اجتماعية.
من المسلمات في علم الاجتماع أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه لا يستطيع العيش بمعزل عن الجماعة،لأنه لا يمكن أن تستقيم حياة الفرد منعزلا ووحيدا عن باقي الأفراد الآخرين،لأنه بذلك يفقد إنسانيته،فكما يقول أرسطو:"الإنسان حيوان مدني"( ) أي يعيش في مجتمع منظم،لذلك فهو اجتماعي بالفطرة.
يقول ابن خلدون :"الاجتماع الإنساني ضروري".ويعبر الحكماء عن هذا القول الإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع،لأن النوع الإنساني لا يتم وجوده وبقاؤه إلا بتعاون أبنائه على مصالحهم.."( )
والقانون قديم قدم التجمع البشري،إذ دعت الضرورة إلى وجوده بعد أن سادت شريعة الغاب في المجتمعات البدائية،وكان البقاء للأقوى.فالإنسان ميال بطبعه إلى الشر،فلولا تطبعه بالخير عن طريق اكتساب صفة الاجتماعية لصار حيوانا لا يتعامل إلا على أساس قانون الغاب،لكن الصفة الإجتماعية للإنسان تفرض عليه بأن يكبح أنانيته وتضبط سلوكه وترشده إلى الطريق القويم،وفي هذا الصدد يقول أحد عظماء خطباء اليونان ديمستين:"على الناس طاعة القوانين لأربعة أسباب:
ـ لأن الله فرضها،
ـ ولأنها تعتبر تقاليد علمنا إياها الحكماء الذين عرفوا العادات القديمة الحسنة،
ـ ولأنها استنتاجات من قانون أخلاقي ثابت،
ـ ولأنها اتفاقات بين الأشخاص تلزمهم بسبب الواجب الأدبي الذي يفرض عليهم الحفاظ على عهودهم"( ).
وقد استوجبت مسألة ضبط المجتمع وتنظيمه وجود قواعد قانونية تنظم سلوك الأفراد من أجل المحافظة على السلامة العامة،وعلى سلامة المؤسسات الاجتماعية ومن أجل حماية المجتمع من تسلط بعض الافراد ذلك لأن الحياة في الجماعة تقتضي بأن تنشأ بين الفرد وغيره روابط مختلفة،إذ هناك روابط اجتماعية واقتصادية وروابط سياسية:
ـ فالروابط العائلية تنشأ بين الأسرة الواحدة باعتبارها الخلية الأولى،وهذه الروابط تترتب عنها حقوقا من جهة وقيام التزامات من جهة ثانية،كحق الأبناء في النفقة،والتزام الأب بها...
ـ أما الروابط الاقتصادية فتنشأ نتيجة كون الإنسان لا يستطيع أن يكفي نفسه فيسبع رغباته ومتطلباته العديدة،ولذلك قام المجتمع على أساس التخصص في تقسيم العمل.بحيث يتبادل الفرد الخدمات والأموال مع غيره من بني الإنسان،ومن ثم تنشأ نتيجة لذلك علاقات اجتماعية ذات طابع مالي،أي علاقات اقتصادية.
ـ في حين تقوم الروابط السياسة بين أفراد المجتمع باعتبارهم أعضاء في جماعة سياسية بحيث تقوم الدولة بتنظيم الأفراد وتسهر السلطة العليا استتباب الأمن والنظام،وبذلك تنشأ الواجبات الملقاة على كاهل الأفراد.
إن من شأن هذه الروابط أن تقيد حرية الفرد وتجعله يخضع للعديد من القيود لأنه لو ترك لكل إنسان تنظيم علاقته بالآخرين وفق رغبته ومشيئته حتى لو تعارضت مع رغبات الآخرين لعمت الفوضى وساد الاضطراب ولآنتهى الأمر على تحكم الأقوياء في الضعفاء.
من هنا كانت الحاجة إلى وجود قانون ينظم الجماعة ويوفق بين رغبات الأفراد ومصالحهم المتعارضة بما يحقق الأمن والاستقرار للمجتمع( ).
ثانيا: الغرض من القاعدة القانونية:
تهدف القاعدة القانونية إلى تحقيق الأغراض التالية:
1:ـ تحقيق الأمن والنظام في المجتمع:تهدف القاعدة القانونية إلى إلى ضبط سلوك الأفراد في المجتمع،والتوفيق بين مصالحهم المتعارضة،ووضع ضوابط تحدد ما يجب أن يكون عليه سلوك الأفراد،على نحو يحقق الأمن للجميع ويحافظ على السلامة العامة وعلى استقرار المجتمع.
فالقانون إذن ضرورة لازمة ليظل المجتمع يعيش في أمن وسلام ويعم الخير العام،وحتى تضمن حقوق الناس وتصان حرياتهم( ).
ومن أجل ذلك وجدت مجموعة من القوانين التي تجرم الإعتداء على الغير سواء في أموالهم أو أجسادهم أو أعراضهم( ).
2:ـ تحقيق العدل: تعد فكر العدالة من أسمى وأدل الغايات التي نادى بها الفلاسفة الأولون،والتي لازمت القانون منذ القديم.
ففكرة العدالة تتجلى في المساواة بين أفراد المجتمع،وتنبذ التمييز أو محبات شخص على آخر أو طائفة على أخرى.فهي تراعي تحقيق التوازن العام بهدف الوصول إلى آخير والرفاه والسلم الإجتماعيين( ).
3:ـ تحقيق الإستقرار الإجتماعي:يعتب والإسقرار من غايات وأهداف النظام القانوني،فالأمن والعدل والإستقرار هي قيم لا يجوز فصل بعضها عن البعض الآخر،لذلك كانت حاجة المجتمع إلى الإستقرار هي بقدر حجم حاجته إلى العدل والأمن( ).
ومن الأمثلة التي تجسد مدى مساهمة القانون في تحقيق الاستقرار،أنه في إطار العلاقات التعاقدية مثلا يسود مبدأ العقد شريعة المتعاقدين( )الذي يضمن استقرار العقود والتصرفات القانونية التي تتم بين الأفراد.إذ بمقتضى هذا المبدأ يتعين على أطراف العقد الالتزام ببنود العقد وما تم الاتفاق حوله،ولا يجوز لأحد طرفيه أن يخل بالتزامه،أو يعدل من الاتفاق بإرادته المنفردة( ).
وجدير بالإشارة أن الاستقرار لا يتم إلا بوجود مؤسسات تسهر على تحقيقه ومنها مؤسسة القضاء.
3:ـ تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي:من المعلوم أن لكل نظام اقتصادي مقتضيات وقواعد معينة تحكمه على مستوى التنظيم القانوني،فالمشكلات الاقتصادية لا بد أن تجد صياغتها في إطار مبادئ وتنظيمات قانونية مناسبة.
قبل ظهور نظام الاشتراكية ثم بعدها النظام الليبرالي كانت الدولة تكتفي بالدور الحارس للنظام ولا تتدخل في توجيه الاقتصاد،فساد ما يسمى بقانون العرض والطلب،حتى اعتقد بعض الاقتصاديين أن هناك فصلا بين العلوم القانونية والعلوم الاقتصادية.
لكن مع انتشار الأفكار الاشتراكية،بدأ المجتمع يسعى إلى ما يسمى بالمصلحة العامة،وتقوم المجتمع،وهو يستعين بقواعد القانون،مثل القواعد التي تحرم النشاط والأعمال المعيقة للتنمية الاقتصادية كالقواعد التي تنظم تحويل العملة الوطنية إلى الخارج،والقواعد التي تشجع الإدخار والاعفاء من الضرائب أو الزيادة في سعر الفائدة،وكذلك القواعد التي تقرر أسعارا تشجيعية لتحويل العملات الأجنبية إلى الداخل،بالإضافة إلى أن هناك قانونا ماليا يصدر كل سنة يقسم ميزانية الدولة على مختلف القطاعات وذلك بحسب الأولويات،إلى غير ذلك من القوانين ذات الصبغة الاقتصادية والمالية( ).
وخلاصة القول أنه لا يمكن لأي دولة أن تفرض سياستها الاقتصادية إلا بنصوص قانونية أو تنظيمية....